مفهوم المنتصر والمُنهَزم في الحروب الحديثة

مفهوم المنتصر والمُنهَزم في الحروب الحديثة

 د. نزار بدران 

لم تعد القوة العسكرية تُحَدد مفهوم المنتصر والمُنهَزم في الحروب الحديثة، بل العامل الأساسي هو الصمود والإرادة.
نحن في حرب غزة، رغم فارق القوة، وعدم قدرتنا على معرفة ما ستسير إليه الأمور على الأرض، وقد اجتمع الغرب كله خلف إسرائيل، وبقي الفلسطينيون وحدهم، نرى بوضوح أن المنهزمين، ليسوا أبناء غزة وأطفالها ونساءها، وإنما القوة العسكرية الإسرائيلية التي لم تستعد وعيها بعد صدمة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

خسارة الجيش

هي تعني خسارة الجيش، لخصوصية الردع، التي بنى عليها سمعته. تعبير الجيش الذي لا يُقهر، كان الوصف الطبيعي له، الذي يؤمن به الجميع. تضعضع ثقة المواطن بجيشه، يُعتبر من مفهوم إسرائيلي، كارثة كاملة الأركان.
هؤلاء لا يشعرون بالأمان، بسبب حسن علاقاتهم مع جيرانهم، أو بسبب معاهدات السلام مع الدول العربية، أو ضعف أعدائهم، بل قوة وبأس هذا الجيش.
الهدف الوحيد للحملة العسكرية الحالية، وقتل الفلسطينيين، هو إعادة الهدوء والطمأنينة إلى المواطن المرعوب في تل أبيب والمستوطنات، قبل هدف كي الوعي الفلسطيني، كما يدعون.
بدأ الإسرائيلي يتحسس رأسه وجواز سفره، بحثاً عن مكان أكثر أمناً، بينما ساكن غزة لا يفعل ذلك، فلن يجد مكاناً آمناً له على هذه الأرض.
إسراع الولايات المتحدة لنجدة إسرائيل، ثم بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ومعظم الدول الأوروبية صغيرها وكبيرها، ما عدا القليل، هو أيضاً هزيمة لهم. فليس هؤلاء من وضع قواعد الصدام الجديد.
عودة القضية الفلسطينية، إلى صُلب الاهتمام العالمي، التراجع عن التطبيع، إظهار ازدواجية المعايير الغربية الواضح، والاصطفاف وراء آلة القتل الإسرائيلية، التي لا تميز الحجر عن البشر، أنهى بالنسبة للأمة العربية، مفهوم الصداقة بين الغرب والشرق، وكل محاولات إقامة الجسور، فنحن لا يفصلنا، إلا هذا البحر المتوسط.

زمن الاستعمار

عدنا من جديد إلى زمن الاستعمار الغربي الفج، والذي يستعمل القتل كوسيلة للسيطرة. انتهى برأيي شهر العسل الذي كان بيننا، ولن يستطيع أي وقف لإطلاق النار، أو طرح هدنات إنسانية، وإدخال المؤن والمساعدات، مسح عار الوقوف وراء المعتدين.
هزم الغرب مستقبله العربي، بل حطمه وهشمه. فلن تجد فرنسا أو بريطانيا وألمانيا، في السنوات المقبلة، من سيقبل منها التوسط لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط، ولن تجد أحداً ليفتح لها الأسواق العربية، أو يقبل الاستثمارات الغربية.
أنظمة التطبيع العربي، هي مهزومة أيضاً. كل مشاريعها التي بنتها لتجاوز القضية الفلسطينية، باءت بالفشل. صمتها عن الظلم والعدوان، وضحالة رؤية المشاركين في مؤتمر الرياض، سيُعطي للربيع العربي، دُفعة جديدة ونفساً آخر.
نحن نسير لا محالة، نحو جمع قوانا الشعبية خلف فلسطين، وخلف مطالبنا بالحرية والديمقراطية. لن تجد هذه الأنظمة، في إسرائيل الحامي القوي، فهي بحاجة للبارجات الأمريكية، لحماية نفسها، من مجموعة من المُجاهدين.
لن تجد دعماً غربياً، فهم لا يتعاملون معها، إلا بلغة التبعية، يُؤمرون ولا يُقررون.
الدول العربية الأخرى، دعاة الثورة، ليسوا أحسن حالاً، رغم شعارات دعم فلسطين ظالمة او مظلومة، فهم منعوا أي تعبير حر للمواطنين، وبعضهم ألغى حتى المقابلات الرياضية، وكأن الهتافات أصبحت خطراً على أنظمتهم.
لم أكن أتوقع من دعاة من يُسمون أنفسهم محور المقاومة، العمل يوماً لفلسطين أو لشعبها، فهم يرتكزون على مفاهيم طائفية، مرتبطة بالمذهب الشيعي، وليس ببُعد عربي حقيقي، فمرجعيتهم الفكرية والقيادية، هي في إيران، وفي شخص المرشد الخامنئي بالتحديد. لكن ملايين العرب وكثير من المثقفين، كانوا يتناسون هذا البُعد، ويؤمنون بشكل أعمى، بما قاله ويقوله، قادة هذا المحور، غير آبهين بما يفعلون، فهم من دمر الثورة والشعب السوري، وأغرقوا ثورة اليمن في الوحل، وعلقوا الآلاف على المشانق في إيران.
من يُمارس هكذا أشياء بحق شعبه، لن يُنتَظر منه دعم شعب آخر. بعد ستة أسابيع، لم يُنفذ قائد حزب الله، ما وعد به منذ سنين، ولا حتى من التدخل في حالة حصول هجوم بري، وعاد الكثير من مؤيديه إلى بيوتهم وهم يتحسرون.
هناك طبعاً ألف سبب وسبب، لعدم التدخل، فلبنان بلد هش، لكن أن يُمضي هذا الحزب أكثر من ثلاثين عاماً، في قمع أية معارضة، وتكديس الصواريخ، من أجل تحرير فلسطين، والصراخ الدائم بالوعد الإلهي، هو من رفع مستوى الأمل عند الناس البسطاء، وأغلق بصيرة مجموعة كبيرة من المثقفين.
حرب غزة أخرجت محور إيران، بكل أطرافه، من المعادلة العربية الإسرائيلية، ولا أظنه سيعود يوماً. الأصعب على هذا المحور، هو خروجه من قلوب المواطنين، على امتداد الساحة العربية، فمن يقرأ تعليقات القراء والمتابعين، على صفحات الجرائد ووسائل التواصل الاجتماعي، يرى ذلك بوضوح، لم يعد أحد ينتظر خطاب وإطلالات سماحة السيد، فلم يعد لها معنى.
تركيا اردوغان، ليست أفضل حالاً، حتى ولو لم تكن قد وعدت بإرسال جيوشها إلى فلسطين، أو صواريخها إلى غزة. إلا أن مستوى الصوت العالي لرئيسها، زاد من تعلق الجمهور العربي والإسلامي بشخصه وبتركيا، كدولة وبضائع. رغم ما رأيناه من المعاملة اللا أخلاقية للاجئين الذين يمرون من تركيا، واستعمالهم كورقه لسياسة اردوغان الأوروبية.

وعي الجمهور العربي

أسقطت غزة، من وعي الجمهور العربي والإسلامي، أوهام الجري وراء الظواهر الصوتية، وأعادها إلى حقيقة أن الأصل، هي هذه الجماهير نفسها، وقد استعادت نوعا من الوعي الجماعي بوحدتها خلف فلسطين، التي عادت من جديد لتتصدر مطالبنا المشتركة. وما عليها إلا أن تعمل بنفسها ولنفسها. شوارع المدن العربية بدأت بالامتلاء بالمتظاهرين، الذين يزيدون يوماً بعد يوم، هو الحل الوحيد لخذلانهم من هؤلاء المهزومين، بكل أنواعهم، أنظمة ومنظمات، ودول عربية أو إسلامية. هم وحيدون الآن في مواجهة الغرب ومؤسساته التي تدعي الانتماء للإنسانية، ولا تفعل شيئاً، بل يقوم قادتها، بدعم عدوهم. أن نرفع صوتنا ونعمل بأيدينا، هذا ما تبقى بعد زوال الوهم.

كاتب فلسطيني

غزة والتضامن العربي

القدس العربي ٤ تشرين ثاني ٢٠٢٣

غزة والتضامن العربي
نزار بدران

حتى لا نخلط بين الأمور، ونميز الصحيح من الخطأ، والمفيد من الضار، والصديق من العدو، علينا أن نفهم على ماذا تُبنى العلاقات الإنسانية. منذ القِدم والإنسان يُحارب أخاه الإنسان، ولكنه يبحث أيضاً في نفس الوقت، للعيش معه بسلام، بهدف الاتقاء من المخاطر المحيطة به. وهو ما دفعه إلى وضع قوانين عدة، تُحِد من حريته المطلقة، لصالح بناء علاقات أكثر سلمية وأقل عداوة.
منذ آلاف السنين، تعُم الحروب الأرض من قاصيها إلى دانيها، لكنها في النهاية، أدت إلى ما يُشبه توازناً، سمح بإيجاد مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة على علاتها. نحن لا نستطيع القول، أن الإنسانية وصلت لمرحلة بناء مجتمع إنساني واحد، ذي قواعد واحدة، بل نحن بعيدون جداً عن ذلك. إنما تبقى هذه الفكرة، التي دافع عنها، الفيلسوف كانط، الأفق الذي تسير عليه البشرية، بوعي أو بغير وعي.
في انتظار تجمع الإنسانية جميعها، شُكِلت الإمبراطوريات، ثم الدول ذات السيادة؛ حيث تعيش مجموعة من الناس في إطار قوانين جامعة لها. ثم انتقلت إلى تقارب مجموعات الدول أو ما أسميه (التقارب الثقافي)، فدول أوروبا تجمعت في الاتحاد الأوروبي. كذلك المجموعة الغربية، التي تضم كل من انتمى للثقافة الغربية (الولايات المتحدة، استراليا…الخ). وهناك محاولات لبناء مجموعات أخرى، مثل المجموعات الاقتصادية، كتجمع دول أمريكا الجنوبية، أو مجموعة البريكس، التي تضم الهند والصين وجنوب أفريقيا وروسيا، وحديثاً دول أخرى.
في هذا الاتجاه العام نحو التقارب والتعاون، تبقى الشعوب والدول العربية، الاستثناء الوحيد عن القاعدة. فبدل التضامن، نجد الخلافات، وبدل السلام، نجد الحرب، وبدل الوحدة، نجد التفرقة، وبدل التكامُل، نجد التنافس على التبعية لمجموعات أخرى. المثال بخلاف الجزائر والمغرب الدائم، أو حرب السودان الداخلية، والوضع المُضعضع لدول الخليج، وعدم فعالية الجامعة العربية، وسيطرة إسرائيل والغرب، على مُقدرات الأمة دون جُهد. تؤكد كلها هذه الحقيقة، وهو أن التضامن والتكامل والوحدة، هي الوسيلة الوحيدة للفاعلية، وهي الوسيلة الوحيدة للتقدم.
يكفي أن نأخذ حرب غزة الحالية، مُقارنة بحرب أوكرانيا، لنرى أن تضامن الدول الغربية القوي، أنقذ أوكرانيا من مخالب الروس، دعمهم لها ليس له حدود. بينما اختفاء أي دعم للشعب الفلسطيني من المجموعة العربية، أدى للمذابح التي نشهدها اليوم، دون أن يتحرك أي جندي عربي، ولا حتى هؤلاء في محور المقاومة الباسل، أو المتحاربين في شمال أفريقيا. على عكس ذلك، فالدول العربية تُطبع مع إسرائيل، وتتجاوز الشعب والقضية الفلسطينية كاملاً، ولم يجدوا حرجاً بالوقوف إلى جانب عدوه. ما يحدث حالياً في حرب غزة، رغم شجاعة الأبطال الفلسطينيين، يبقى حرب غير متكافئة. إسرائيل التي تنتمي إلى المجموعة الغربية، حصلت على دعم هؤلاء بكل سهولة، ودون أي اعتبار أخلاقي. بينما قطاع غزة الصغير، لم يجد أي دولة عربية، أو مسلمة، لتقف حقاً لجانبه.
نحن أمام مذابح حقيقية، لم تكن لتحدث لو انتمت فلسطين حقاً، إلى أُمة متضامنة ومتعاونة. نحن لا نتوقع مثلاً، أن تُهاجَمَ دولة أوروبية مثل البرتغال أو حتى لوكسمبورج على صغرها ويُقتل أهلها.
العودة إلى مفهوم الأمة المتضامنة بالنسبة لنا، أصبح بعد المثل الغزاوي، ضرورة وُجودية. فمن يستطيع أن يقف وحده، في وجه قوى الغرب المجتمعة؟؟؟. من ينتظر ميلاد محاور جديدة، مُقابل الغرب يُخطيء، فتضامن الصين مع روسيا، أو البرازيل مع الهند، وغير ذلك، هو فقط تضامن إعلامي، لا يوجد له أي حقيقة على الأرض، بل العكس، فالتنافس الهندي الصيني، أو الصيني الروسي، هو سيد العلاقات بين هذه الدول. التضامن يعني التضحية عند الضرورة، فهل هذه الدول مُستعدة، لتُضحي من أجل بعضها البعض؟. هذا ما يحدث في أوروبا والغرب، ولا نراه في أي مكان آخر.
التضامن العربي يعني العودة للربيع العربي، والدفع نحو أنظمة سياسية تُمثل الشعوب، وليس فقط سيطرة مجموعة من المُنتفعين، على خيرات الأمة دون وجه حق. التضامن هو أن تُفتح الحدود أمام المتطوعين، لدعم الشعب في غزة، وأن يُقطع النفط عن الغرب، إن لم يُسمح بدخوله إلى مستشفيات غزة، وأن تُقاطع البضائع الغربية كاملة، إن لم يصل الغذاء والدواء إلى أطفال غزة. هي رص الصفوف ووضع إمكانيات 400 مليون مواطن، في وجه دول الغرب المجتمعة، لدعم الظلم والعدوان.
نعيش الآن لحظات فاصلة، غزة صغيرة بمساحتها وعدد سكانها، لكنها قوية بإرادتها، وبسالة مقاتليها وصمود أهلها. لكن النصر حتى يأتي، بحاجة للتضامن العربي معها، وليس فقط للمظاهرات، في عواصم الدول الغربية.

المباغتة الفلسطينية. القدس العربي 26/10/2023. نزار بدران

لم يكن أحد ينتظر الهجوم الفلسطيني على إسرائيل، وإدخالها حربا لم تخطط لها. كان هناك من يتوقع الحرب بين الصين وتايوان، أو بين روسيا وبولندا، أو بين النيجر ودول الواكس، والمحللون اشبعونا بتفاصيل هذه المعارك المقبلة.
من هنا أهمية هذا الحدث في التاريخ الفلسطيني والعربي: مباغتة بكل المقاييس، ذات نتائج عالمية واسعة؛ بدأ بقلب مشوار التطبيع مع إسرائيل؛ ثم الإعلان الواضح عن انتماء إسرائيل للمجموعة الغربية؛ مظهرا حقيقة الدعم الغربي للدولة العبرية، الذي تصورنا يوما أنه قد تحول قليلا لصالحنا.

الأساطيل إلى الشرق الأوسط

أرسلت أمريكا أساطيلها إلى الشرق الأوسط، واحتضنت إسرائيل أكثر ألف مرة مما فعلته مع أوكرانيا، معلنة على الملأ أنها ستحارب عنها حتى ولو لم تحتج لذلك.
عادت بريطانيا إلى زمن الانتداب، لكن دون الدهاء السياسي الذي عرف عنها؛ فرئيس الوزراء ريشي سوناك، لا يهمه إلا سلامة إسرائيل؛ فخر الصناعة البريطانية. فرنسا لم تكن أحسن حالا؛ حتى ولو تراجعت قليلا، هذه الأيام؛ مع بعض التردد والسماح من جديد بالتظاهر؛ إلا أن تصريحات وزيرة الخارجية من القاهرة، وإعلان زيارة ماكرون، أعادانا لزمن الغطرسة. لكن هذه المرة، دون أي إمكانيات، فهي تتبع أمريكا مغمضة عينيها؛ ولا ترى أنه لا يفصلها عن العرب إلا هذا البحر الضيق.
ألمانيا تستحضر الماضي لتفسير الحاضر. لم يبق إلا قليل من دول جنوب أوروبا وشمالها لتظهر بعض الحيطة في ردود افعالها.

المنظمات الإرهابية

في الشرق الوضع ليس افضل حالا؛ فمحور المقاومة تبخر كالماء يوم قيظ في صحراء النقب. لكن أظن أن أعضاءه معذورون؛ فهم غارقون حتى أذانهم في تنظيف سوريا من المنظمات الإرهابية؛ التي تعيق مسيرتهم نحو القدس؛ بوصلتهم الدائمة وهدفهم النهائي، ونصرهم الإلهي المنتظر.
هم أيضا مشغولون في إسكات المعارضة، وتغطية رؤوس النساء الإيرانيات؛ والتأكد من عدم رؤية أي خصلة شعر من تحت النقاب.
تركيا أردوغان اكتشفت فجأة أهمية السلام بين الشعوب وهي التي تحارب الأكراد دون هوادة؛ ذلك الجزء المؤسس من شعبها، وتشارك إسرائيل دعمها العسكري لأذربيجان؛ لطرد الأرمن من أراضيهم التاريخية، في حملة تطهير عرقي تذكرنا بتهجير الفلسطينين.

شوحل أوكرانيا

روسيا الواحلة في حربها على أوكرانيا، ليس لها ما تفعله أو تقوله؛ سوى الترحم على أرواح الضحايا وقصف القرى السورية.
أما الصين فهي الطرف الوحيد الذي ينتظر من سيفوز؛ لتقرر ما ستفعله؛ فهي ليست طرفا فاعلا في النزاع، ولم تهتم يوما به.
إسرائيل تكذب على نفسها وعلى العالم، وتريد تغطية هزيمتها المدوية، وتحويلها إلى حدث إرهابي إسلامي تقليدي؛ لن يكون له نتائج إلا تدمير الإرهاب كما حدث مع القاعدة أو داعش.
هو حدث عرضي وعلى سكانها الاطمئنان؛ فلم يتمكن الإرهاب يوما من هزيمة دولة ديمقراطية. بينما التحقيق بأسباب هزيمة عسكرية؛ ولماذا فشلت القيادة السياسية والعسكرية والاستخباراتية؛ سيلحق بها ضررا دائما لن تمحوه الشهور والسنوات المقبلة.
الرأى العام الدولي يتحرك وبقوة لصالح غزة رغم التعتيم والكذب الإعلامي الغربي. الآلاف في لندن ونيويورك وباريس ومدن كثيرة أخرى، لكن أهم شيء هو تحرك المدن العربية؛ لتقول كلمة المواطن للغرب ولكن أيضا لحكوماتها.
ما رأيناه لحد الآن بدا خجولا؛ لكنه تمكن من تحقيق انتصار أول: وهو إلغاء زيارة الرئيس الأمريكي لعمان. وحده الدعم العربي والعالمي الشعبي من سيوقف آلة الحرب الإسرائيلية.
إلى أين نحن ذاهبون الآن؟
غزة تحت القصف وكلنا نعد الموتى والأطفال الشهداء، منتظرين زحف الجيش الإسرائيلي.
تبدو الصورة غامضة، لكن ذلك جزء من مغامرة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول؛ فهي حبلى بالمفاجآت.
آسف نسيت أن أذكر الدول العربية وجامعتها. سقطت سهوا من قلمي الذي لم يجد شيئا يكتبه.

الغرب وراء إسرائيل، فأين العرب

الغرب وراء إسرائيل… فأين العرب؟ /نزار بدران/ القدس العربي 18 اكتوبر 2023

المواقف الغربية من الحرب الدائرة حاليا في غزة، لا تمثل فقط كما يدعون، دعما لإسرائيل في حربها ضد الإرهاب، معتمدة ومتبنية الصور التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، بالإضافة لتصريحات بنيامين نتنياهو وعدد من كبار مسؤولي الدولة، بل أيضا تأييدا لسياسات إسرائيل في تهجير السكان الفلسطينيين للقطاع، وسفك دماء أطفالهم وأبنائهم؛ نساء ورجالا، لغسل عار هزيمتهم المدوية أمام المقاتلين الفلسطينيين، وجبن جنودهم وهربهم مذعورين من ساحة المعركة، تاركين قواعدهم وأسلحتهم ودباباتهم وراءهم.
لم يحارب الجندي الإسرائيلي كما كان متوقعا منه، ولم يدافع عن السكان المدنيين والمستوطنات والكيبوتسات. هذه صورة غريبة، تتناقض تماما مع تلك التي عودتنا إسرائيل عليها من الجندي المنتظم، الذي لم يعرف يوما الهزيمة. هذه هي المرة الأولى التي ينهزم فيها حقا على ما يعتبرها ارضه.
الإصرار الإسرائيلي والغربي على نعت ما حدث بالإرهاب، هي محاولة لإبعاد صورة الهزيمة العسكرية الحقيقية، وتحويل الأنظار إلى وهم الصورة النمطية للإرهابيين؛ قاطعي الرؤوس وحارقي الأطفال، كما رأينا سابقا مع القاعدة وداعش وكأن الجيش الإسرائيلي لم يكن موجودا على الحدود وكأن هؤلاء “الإرهابيين” لم يواجهوا أكثر جنود العالم تقنية وذكاء، لسوء حظهم فكل الصور التي تسربت من طرف المقاتلين الفلسطينيين في عملياتهم؛ وهم يدخلون الدبابات ويأسرون الجنود، لا يمكن محوها من الذاكرة الجماعية للإسرائيليين ولا الفلسطينيين أو العالم.
عمليات القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين؛ الموثقة بالصوت والصورة، على عكس ادعاءاتهم فيما يخص ضحاياهم المدنيين، لن تمحي عار الهزيمة. لكن نتنياهو وقيادته العسكرية يظنون أن الدم الفلسطيني السائل دون انقطاع، مثل النهر، سيغطي هذا العار، ويشفي غليل المواطن الإسرائيلي، ويعيد له كبريائه المحطمة وثقته في جيشه “الذي لا يقهر”.
هذه القيادة المصدومة بهزيمتها ستدفع- إن بقيت في الحكم- إسرائيل إلى هزائم جديدة. هم لم يكونوا أكفاء بمواجهة هجوم مباغت من بضعة مئات من المقاتلين فكيف لهم أن يتمتعوا بتلك الكفاءة في مواجهة حرب على الأرض قد تمتد لأسابيع طويلة.
لم يطرح الإسرائيليون على أنفسهم السؤال الوحيد الذي يجب عليهم طرحه؛ وهو لماذا حدث بنا ذلك؛ وكيف هزمنا، بدل التغني بجرائم الإرهاب والتعطش للانتقام. هم يعرفون الإجابة؛ فهي سهلة جدا؛ تتلخص في تناسيهم لكل القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، واحتلالهم أرض فلسطين وتهجير سكانها، وعشرات المجازر والجرائم المرتكبة منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما. هي ستة عشر عاما من حصار خانق على أهل غزة. لكنهم يفضلون الاستمرار في نكران ذلك؛ والغوص في كابوس الإرهاب؛ لأنه أهون على أنفسهم وأكثر تناغما مع سياسات أمريكا والغرب.

القضية الفلسطينية

اصطف العالم الغربي بشكل واضح خلف إسرائيل، وتبنى روايتها؛ مجرما أي عمل أو صوت لصالح القضية الفلسطينية؛ أو حتى رفع علم فلسطين. نكتشف فجأة أن أوروبا بمعظم دولها، تجري وراء أمريكا لاحتضان الجيش الإسرائيلي وتبرير جرائمه.
نكتشف أن إسرائيل هي كما كانت دائما؛ جزء من الكل الغربي وليست جزءا من الشرق، رغم محاولات التطبيع الحثيثة مع عديد من الدول العربية.
الغرب هو الآن من يقاتل إلى جانب إسرائيل، وللهدف نفسه، أي إعادة ثقة المواطن الإسرائيلي بقدرته على الانتصار. تصريحات الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته بتوفير الحماية لإسرائيل حتى ولو كان جيشها منهمكا في حربه على غزة، وإرسال حاملتين للطائرات لشاطئ فلسطين المحتلة، هو لهذا السبب.
هي تطمينات واضحة لهذا المواطن المذعور الخائف، قبل أن تكون موجهة لإيران أو حزب الله (المنشغلين في حروبهم ضد الشعب السوري) حتى لا يبدأ التفكير خارج الصندوق؛ واستعمال ازدواجية الجنسية التي يحملها معظمهم؛ للبحث عن مكان أكثر أمنا.

المعسكر العربي

مقابل هذا المعسكر الغربي الإسرائيلي الموحد، هل هناك معسكر عربي شبيه؟
للأسف لا شيء من هذا القبيل. لكنا ندرك كفلسطينيين؛ أن التضامن الشعبي العربي مع أبناء غزة هي وسيلتهم الوحيدة المتبقية للصمود. فلا يمكن انتظار أي دعم ذي جدوى من حكومات الدول العربية والتي في معظمها؛ إما منهمكة في حروب داخلية؛ أو لا يهمها إلا البقاء في السلطة وسرقة ثروات بلادها.
تضامن المواطن العربي من المحيط إلى الخليج؛ يعني أن نخرج من جديد لنندد بهذه الحرب غير المتكافئة؛ حرب شعب محاصر صغير، ضد أقوى دول العالم؛ بجنودها وأساطيلها. هو التظاهر بلا كلل وبمئات الآلاف في عواصمنا. هو الاحتجاج المستمر أمام سفارات الدول الغربية، والمطالبة بطرد السفراء الإسرائيليين، وإلغاء اتفاقيات التطبيع. هي تحريك كل منظمات المجتمع المدني؛ لتخفيف آثار الحرب على شعبنا في غزة.
وحدها الشعوب العربية من يستطيع أن يضع حدا للعربدة الإسرائيلية والأمريكية، ومن يظهر للرأي العام الغربي أن الفلسطيني ليس وحيدا، وليس إرهابيا، بل مناضل عن حقه يموت من أجله، مدعوما من قوة الملايين؛ الذين لن يسكتوا طويلا على فشل حكوماتهم وتواطئها، ونسيان دول الغرب لواجباتها الإنسانية.
لن يعود هذا الغرب إلى رشده؛ إلا إذا رأى ميلاد هذا التوجه القوي؛ فهو يعلم أن الشعوب وحدها هي التي تحمل وتعطي الشرعية؛ وتحدد أهدافها وليس منابر الإعلام المأجورة والكاذبة.

كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

د. نزار بدران

الكوارث الإنسانية/ القدس العربي/ نزار بدران

بعد سلسلة الكوارث «الطبيعية « الأخيرة في بلادنا- المغرب وليبيا وقبلهما سوريا- تفاجأنا بحجم الدمار، والتأثير على حياة الناس والحيوانات والمحاصيل.
الكارثة الطبيعية هي في الحقيقة كارثة بمقدار ما تعني من نتائج سلبية على البشر؛ وإلا فإنها أحداث طبيعية، مهما كبرت، موجودة منذ وجد الخلق أي منذ أربعة عشر مليار عام. مثلا لو حدث زلزال قوي في صحراء بلا سكان؛ لما تكلم أحد عن كارثة.

الفكر الإنساني

مقابل أحداث الطبيعة؛ هنالك الكوارث الإنسانية، فالحروب قتلت ملايين البشر، وهدمت مدنا بأكملها، يكفي أن ننظر في زمننا هذا الأخير إلى دمار حلب أو غروزني في الشيشان، أو قبلهما محو هيروشيما ونغازاكي في اليابان من الوجود؛ بالقنابل الذرية الأمريكية.
أخطر إنتاج الفكر الإنساني الكارثي؛ كان اختراع وسائل الدمار الشامل بكل أشكالها (الفيلسوف الألماني جنتر أنديرز).
ونحن لسذاجتنا وتعودنا عليها، نعتقد أننا بعيدون من التأثر بها، رغم إدراكنا التام لخطورة نتائجها؛ وكأن العلم والتكنولوجيا في أياد أمينة.
هؤلاء الذين يخترعونها لا يسألون أنفسهم عن مدى خطورة ما يفعلون. وهل رجال السياسة قادرون على تمييز النووي لتدمير الحياة، من الآخر المنتج للكهرباء، وهل سيكتفون فقط بإنتاج الكهرباء. ومن يضمن لنا أن لا ينتهي الأمر كله بدمار الإنسانية، فما تملكه روسيا وأمريكا يكفي لتدمير العالم عدة مرات.
الإنسان هو إذن الكارثة الحقيقية التي ابتليت بها الطبيعة، وليس أشكال الحياة الأخرى؛ من حيوانات وجراثيم ونباتات؛ التي تتعايش بشكل متكامل ومتوازن فيما بينها. الإنسان لأول مرة في التاريخ لم يربط حريته مع مسؤوليته، هذه العلاقة التي تميز إنسانيته، وتعطي تفسيرا وحجة لامتلاكه الوعي. ما يعتبره سموا على عالم الحيوانات!.

التلوث البيئي

التلوث البيئي الذي بدأ في القرن التاسع عشر في أوروبا؛ أعطى ثماره السوداء، وغطى بدخانه سماء العالم؛ تحت مسمى التغير المناخي. نتقاسم جميعا مسؤوليته.
فأوروبا تستورد البترول والفحم والمعادن التي تنتجها دولنا؛ من الخليج إلى العراق وليبيا والجزائر؛ ونحن سعداء بذلك لأنه يغني قادتنا وأمراءنا وجنرالاتنا في الحكم، وتعطينا إمكانية شراء البضائع والسيارات والهواتف الذكية التي نفتخر بامتلاكها.
لكن الكارثة الإنسانية التي حلت بشعوبنا العربية كافة واختصت بها عن بقية شعوب العالم؛ هي هذا النظام السياسي؛ والذي لا يرى في الأرض العربية إلا مرتعا لخيله؛ وأمكنة لتأكيد عنجهيته وتسلطه، وبيع ثروات البلاد، من أجل حياة الرفاهية التي ينعم بها، ومن يحيطون به من ميليشيات وعسكر.
وإن احتج الشعب، أدخل في حرب دائمة لا تبقي ولا تذر، كما نرى الآن في سوريا وليبيا والسودان. عندها يكون الاهتمام بشأن سدود درنة شيئا لا لزوم له. وتحسين الطرق وحياة سكان الجبال النائية في جنوب المغرب لا فائدة منه، ونحن نراهم على شاشات التلفزيون وكأنهم قادمون من عالم آخر.
إعصار دانييل، مر على اليونان وتركيا وبلغاريا، ولم تكن له نتائج على حياة الناس، أما في ليبيا فقد كان وبالا ودمارا، ليس لأنه ازداد قوة؛ بل لأنه وقع داخل دولة؛ لا يهم قادتها إلا الاقتتال الداخلي للاستحواذ على أموال النفط، ودفع معاشات المرتزقة القادمين من روسيا وغيرها. لم يكن من يراقب سدود درنة معينا بسبب كفاءته؛ والذي لم يفعل شيئا لصيانتها منذ عشرات السنين، وإنما بسبب ولائه للسلطة الفاسدة، فنحن نطبق قاعدة الرجل غير المناسب؛ في المكان غير المناسب.
نحن في دولنا، نعيش في حالة استعجال، مثل مريض في قسم الانعاش؛ فإما أن تقدم له العناية الضرورية وإما أن يموت. أظن أننا الآن ننتظر الموت بشكل أو بآخر؛ إلا إذا صحا شباب الأمة، وأخذوا من جديد؛ أمور أنفسهم بأنفسهم.

كاتب فلسطيني

د. نزار بدران

فلسطين الهدف والوسيلة

فلسطين الهدف والوسيلة

 د. نزار بدران

في حياتنا اليومية، نحاول دائما التوفيق بين أهدافنا ووسائل تحقيقها. إن قَلَّت قدراتنا وإمكانياتنا، خفضنا سقف أهدافنا وأحلامنا. على عكس ذلك إن تَحسَّنت تلك الإمكانيات نقوم برفع ذلك السقف.
هذا سليم في الأشياء المادية البسيطة مثل تحضير حفل أو السفر في عطلة استجمام، فكلا طرفي المعادلة خاضع للزيادة أو النقصان. أما في الأمور غير التقنية مثل النجاح في امتحانات نهاية العام فنحن بحاجة للتعب وسهر الليالي، الهدف هنا ثابت، أما المتغير فهو الوسيلة. قد ينقلب الهدف بدوره إلى وسيلة، فالنجاح في شهادة جامعية والذي كان هدفا، ينقلب إلى وسيلة للبحث عن عمل.

المعادلة الغائية

ما أريد ايصاله للقارئ العزيز هي أن هذه المعادلة الغائية عندما نطبقها على المجال الإنساني الاجتماعي، تصطدم دائما بعلو مستوى الهدف وضعف مستوى الوسيلة المتاحة. العدالة الاجتماعية، الحرية، حقوق المرأة، حقوق العمال وحق الشعوب بتقرير المصير، هي أهداف لا يمكن تخفيض سقفها، فلا توجد نصف عدالة أو نصف حرية. الحقوق لا تتجزأ وحقوق الشعوب ثابتة. لذلك لا محالة من تطوير الوسائط والوسائل حتى نصل إلى الهدف. وحدها الوسيلة في هذه المعادلة من يشكل الجزء المتحرك والقابل للتغيير.
لو انتقلنا إلى تطبيق هذه النظرية على القضية الفلسطينية، وكيفية تعامل الفلسطينيين أنفسهم والعرب والعالم مع قضيتهم العادلة، لرأينا بوضوح أن الجميع يحاولون تخفيض سقف الهدف، أي المطالب الوطنية، بدل تحسين وإيجاد الوسائل المناسبة، فيما يشبه عملية احتيال متعددة الأطراف.
لمزيد من التوضيح فإننا لو قارنا ذلك مع الثورة الجزائرية أو حرب فيتنام، سنرى بوضوح مستوى الخلل الفلسطيني، فلا الشعب الجزائري أو الفيتنامي أو الشعوب الأخرى رضيت بتخفيض سقف حقوقها، والقبول بأجزاء من الوطن وبأجزاء من الحقوق، ولكان الجزائريون ما زالوا لليوم يماطلون الفرنسيين على حقوقهم، ويبحثون عن دويلة في الصحراء.
تشريد الشعب الفلسطيني وضعفه، لا يعني التفريط بحق هذا الشعب بتقرير المصير، والعودة إلى مدنه وقراه. هي حقوق أكيدة معترف بها في القانون الدولي، ومسجلة في لائحة حقوق الإنسان. هي حقوق ثابتة وليست الجزء المتغير في المعادلة.
التعَذُّر بعدم المقدرة، مقارنة بقوة إسرائيل مدعومة من أمريكا والغرب وجزء من العالم، لا يعني خفض سقف مطالبنا، وقبول ما يُدْعى أنه حل وسط عن طريق إقامة دويلة فلسطينية على حدود 67. تخفيض الحقوق في مفهوم توازن القوى يعني التخلي عنها، هذا ما فهمه على الأقل الإسرائيليون من اتفاقيات أوسلو، وهم مستمرون كما نرى ويرى العالم والأمم المتحدة، بالاستيطان في كل مكان داخل حدود الدولة الموعودة، مع محاولات متكررة للتضييق على الناس وتهجيرهم.
أتفق تماما مع مفهوم عدم تكافؤ القوى المعنية، فالشعب الفلسطيني حتى ولو تَجَمَّع، وتَوحَّدت قياداته، وهذا بعيد المنال، لن يستطيع الوصول إلى تحقيق حقوقه كاملة، وإلا لكنا رأينا ذلك منذ ثلاثة أرباع قرن، عمر النكبة.
ما العمل إذا، هل هو التخلي عن الحقوق، واستبدال الهدف الأساسي بهدف أصغر (اتفاقيات أوسلو نموذجا)، أم العمل على ايجاد الوسائل المناسبة (نيلسون منديلا نموذجا). هدف إحقاق الحقوق الفلسطينية لا يقبل الانتقاص، كونه هدفا اجتماعيا مرتبطا بمفهوم العدالة والتي لا تقبل التجزيء، وليس هدفا ماديا نود الحصول عليه، هذا يعني أما استرداد الحقوق كاملة وإلا فهو هزيمة للعدالة وتصفية للقضية.
الانتصار على قوة المحتل وداعميه لن تتم إلا بِتوحُّد معسكر هؤلاء العاملين في الاتجاه المعاكس، أو المفترض بهم فعل ذلك. فلسطين التاريخية عندما اُنتُزعَت بإرادة بريطانية مع وعد بلفور، كانت جزءا من الأمة العربية الوليدة من أحشاء الامبراطورية العثمانية المنهزمة والمُقطَّعَة كغنيمة للقوى المنتصرة.
لم يكن الهدف من عزل فلسطين إلا السيطرة على مقدرات الأمة الجديدة، عن طريق الإمعان في تقسيمها إرَبًا تدعى دول، رُسِمَت حدودها دون أي اعتبار للحقائق الاجتماعية والثقافية للشعوب المكونة لها.
لم يكن لبريطانيا وفرنسا النجاح في مشروعهم إلا عن طريق فرض أنظمة زبائنية وعائلية، وإقامة دولة دخيلة على المنطقة. يجب على طرف المعادلة الفلسطيني إذن أن يعي ذلك، عليه أن يبحث أولا عن نصفه العربي الضائع أو المغيب حاليا تماما، وكل محاولات إنعاش هذا النصف عن طريق هَبَّات الربيع العربي، وُجِهَت بعنف الأنظمة، مدعومة من إسرائيل واصدقاء إسرائيل كانوا عربا أو غربا، لوعيهم هم بهذه الحقيقة.

المعادلة الاستعمارية

هل سيستمر القبول بتلك المعادلة الاستعمارية والرضوخ لأجندتها. من الواضح أن استمرار الوضع العربي على حالته، هو ليس فقط انتقاصا لحقوق الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية وحكم نفسها بنفسها، لكن أيضا انتقاصا لحقها في لعب دورها الطبيعي في معادلة فلسطين/ إسرائيل. وهذا الغياب هو لصالح إسرائيل فقط.
لا مجال لنا كشعب فلسطيني أن نغَيِّر الأمة، لكن علينا على الأقل أن نفهم أن عدم تَغَيُّرِهَا نحو الديمقراطية وإزالة الاستبداد عن شعوبها، يعني بالنسبة لنا أن نبقى تحت الاحتلال إلى ما نهاية، فهي وسيلتنا الوحيدة لرفع مستوى الوسيلة إلى مستوى الهدف، والذي هو بدوره سيصبح وسيلة من وسائل الأمة للوصول لهدفها، مظهرا العلاقة الجدلية بين الطرفين العربي والفلسطيني.
علينا على الأقل أيضا ألا نقف في وجهها كما تفعل قيادات الشعب الفلسطيني حاليا في كل أماكن تواجدها مع حساباتها الآنية الضيقة، والتي تضيع المستقبل لصالح بقاء أحزابها وحكمها. لا يمكن لمن يَدَّعِي قيادة وتمثيل الشعب الفلسطيني، تدمير تلك الأداة الجديدة الناشئة؛ ان يقف في وجه الشعب السوري ويتضامن مع نظامه القاتل، أو مع نظام الملالي وهو يعلق شبابه على المشانق، أو نتضامن مع حروب بوتين ونحن نرى مقدار الدمار والخراب الذي جَرُّه على مدن سوريا وشعبها ومناطق أخرى، وملايين المستوطنين الذين أرسلهم الروس لإسرائيل.
القضية الفلسطينية بحاجة للشعوب وليس للأنظمة فهي الوحيدة التي ستبقى والتي ستحاسبنا فيما بعد.
هؤلاء الذين يدعون لحل الدولة الواحدة الديمقراطية عن حسن نية كهدف، ينسون أن الإشكالية هي ليست في الهدف فكلنا نعرفه منذ أن شُرِّدنا، ولكن هي إيجاد الوسائل، ووسيلتنا الوحيدة هي صحوة الأمة والتي بدأت ولن تتوقف.
تجارب شعوب العالم من آسيا وأوروبا الشرقية وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تثبت أن الشعوب تصحو دائما حتى ولو طال سباتها.

كاتب فلسطيني